الخرطوم و ابوظبي.. أزلية وجدلية العلاقات

الخرطوم: ميسون عبد الرحمن
تعد العلاقات السودانية والإماراتية الأقدم في المحيط الإقليمي حيث إن السودان كان من أوائل الدول التي أنشات علاقات دبلوماسية مع الامارات حال إستقلالها في مطلع سبعينيات القرن المنصرم.
وتعتبر دولة الامارات شريكا اصيلا في كل المشاريع الكبيرة في السودان، وحرصت على تطوير وزيادة حجم التبادل التجاري معه من خلال تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والتعاون المشترك ما بين رجال الاعمال من البلدين والشركات والمؤسسات الدولية فيما بينها.

وفور الإطاحة بالنظام البائد أعلنت دولة الامارات موقفها الداعم لحكومة السودان الإنتقالية وتجربته الديمقراطية وصولا لمرحلة الإستقرار السياسي والإقتصادي وتقديم حزمة من المساعدات تصل إلى( 3) مليار دولار في ذات الوقت الذي حرصت فيه على مساندة للعودة لأحضان المجتمع الدولي وبناء علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية.
ونالت الامارات قصب السبق لطرح العديد من المبادرات التي تسهم في دعم المجتمع السوداني ورتق النسيج الإجتماعي بجانب رعاية أبو ظبي لإتفاق سلام جوبا الذي تم توقيعه مع الحركات الحاملة للسلاح وإنهاء أعوام من الحروب والإقتتال، بجانب تقديم الدعم الصحي في مكافحة فيروس كورونا والدعم الإنساني أبان كوارث السيول والفيضانات إضافة الى إهتمامها بالمشاركة في مؤتمر أصدقاء السودان الإقتصادي والذي حثت فيه الدول عل الإستثمار في السودان وإعفاء ديونه.
وقال الخبير الإقتصادي د. محمد الناير في تصريح صحفي “لسودان فيوتشر” اليوم ان العلاقات السودانية الإماراتية أزلية وقد أسهمت الإمارات بجانب عدد من دول الخليج في الكثير من المشاريع الإستثمارية داخل البلاد داعيا الإمارات لتوسع حجم الإستثمار داخل السودان
ودعا الناير الحكومة الإنتقالية إلى تجنب الحصول على المنح والقروض، والعمل بشكل موسع على جذب إستثمارات أجنبية جديدة، لافتا إلى أن الاستثمارات المباشرة تخلق الثراء الإقتصادي، وتحقق الإستقرار النقدي
رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان زار الإمارات، خلال شهر مايو المنصرم تتويجا للعلاقات بين البلدين.
وتأتي زيارة البرهان بعد نحو أسبوعين من إشادة الدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء السوداني بمواقف دولة الإمارات الداعمة لبلاده في المحافل الدولية وجهودها المستمرة لإنجاح الفترة الانتقالية، خلال استقباله السفير الإماراتي بالخرطوم
وتعزيز التعاون المشترك إلى آفاق أرحب بما يخدم مصلحة شعبي أبوظبي الخرطوم.
وتطلع سفير دولة الإمارات لدى السودان، حمد محمد حميد الجنيبي في تصريحات صحفية سابقة لتطوير علاقاتها مع السودان في كافة المجالات، مؤكدا على مواقف دولة الإمارات الداعمة للسودان لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر والعبور بالبلاد إلى الاستقرار.
وقال الكاتب الصحفي عثمان ميرغني، ان أحاديث عن مبادرة أو وساطة إماراتية ظهرت بين الغيوم للتوفيق بين السودان واثيوبيا بعد أن ارتفعت درجة حرارة التوتر بين الطرفين مؤخرا إلى مستوى ينذر بالمواجهة العسكرية الشاملة.
وقطع ميرغني انه لم يصدر بيانا رسمياً من الجانب الإماراتي تعليقاً على ما تم تداوله من الأخبار ، ولا من الطرف الإثيوبي، ومع ذلك ارتفعت حمى تناوله سياسياً في السودان وللغرابة بصورة تضع الإمارات وكأنها تمارس عملية تقسيم للأرض والسيادة على ثلاثة أجزاء بين الطرفين والوسيط.
هذا الأمر لا يحتاج إلى بطل ليدرك أن التناول الإخباري والأجندة السياسية حولت الأمر برمته إلى مشروع إدانة سياسية للإمارات تم تسويقها مع سبق الإصرار والترصد عمداً أو جهلاً ..
للدرجة التي صدر تصريح من رئيس مجلس السيادة في لقائه التنويري مع قيادات الجيش قال فيه (لا إستثمار في الفشقة قبل ترسيم العلامات الحدودية!! ) في محاولة لتهدئه الشعور الشعبي المهيج بفعل فاعل حول مؤامرة إماراتية مفترضة- لتوزيع الفشقة..
وإستطرد الكاتب عثمان ميرغني قائلا في عموده في تقديري ان التصريح يبدو غريباً إلى أقصى مدى. للأسباب تتمثل الحدود لا تحتاج إلى ترسيم؛ فهي مرسمة على الأرض وعلى الورق بالإحداثيات الدقيقة التي لا نسمح بالتلاعب بالعلامات الحدودية.. والخلاف الحقيقي بين الطرفين ليس حول الترسيم بل لأن مجموعات إثيوبية بعينها تتخطى العلامات الحدودية عمداً وعنفاً وتنتزع مشروعات و أراضي المزارعين السودانيين وتمارس الاستيطان القسري.
وهذه المجموعات الإثيوبية لو بنى السودان حائطاً مثل حائط الرئيس الأمريكي السابق ترمب مع المكسيك فستقفز فوق الحائط للأرض السودانية.. فالقضية ليست خلافاً حول ترسيم بل واقع يفرضه منتهكون إثيوبيون وتغض البصر عنه حكومتهم.
ويجدر طرح سؤال حتمي؛ أيهما يحرس الأرض ليس في الفشقة وحدها بل كل السودان، العلامات الحدودية أم استثمار واستغلال الأرض.
إذا كان هناك اتفاق على استثمار الأرض فإن أول ما يفعله أي مستثمر هو “التعاقد” مع الجهة السيادية صاحبة الأرض ، السودان، فهل هناك أكثر تثبيتاً للسيادة واعترافاً بها من ذلك؟ ثالثاً: السيد رئيس مجلس السيادة قال أن السودان واسع يمكن للإمارات أن تستثمر في أي مكان آخر(ليس به مشاكل) على حد قوله..
حسناً إذا أخذنا بالتخوفات من الاستثمار في أرض حدودية خشية التعدي على السيادة؛ ألم يكن ممكناً اشتراط منطقة عازلة Buffer Zone بين المشروع الاستثماري والحدود فلنقل بضعة كيلو مترات يوزع هذا الشريط العازل لمزارعين سودانيين فقط مع إلزام الاستثمار بتوفير مقومات الزراعة لهم في هذا الشريط الحدوي العازل للمزارعين
السودانيين..
ونوه ميرغني الى ان تناول القضية بهذا الشكل فيه مخاطر على مصالح السودان لكونه يضرب العلاقات الثنائية مع الإمارات وهي دولة مؤثرة إقليمياً ودولياً وتعتبر واحدة من أكثر الدول التي ساهمت في تعضيد الاستقرار السياسي بالسودان خاصة في الفترة العصيبة بعد انتصار الثورة.. اقتصادياً وسياسياً.
وفي السياسة الخارجية فإن العلاقات الثنائية في المحيط الإقليمي تؤثر على العلاقات الدولية أيضاً. فعلاقة السودان مع الإمارات ممتدة بعمق منذ تأسيس الاتحاد قبل نصف قرن.
وقال انه من الحكمة أن لا تتمدد اللعبة السياسية والأجندة الحزبية المحلية لتضرب علاقات السودان الخارجية خصماً على مصالح البلاد.

ويرى المحلل السياسي محمد حسن ان عدد من الناشطين السياسين والأجندة السياسية الضيقة كانوا خلف خلق المشكلة الأخيرة في وقت دعا فيه الإمارات للإهتمام بتوطيد العلاقات التاريخية مع الشعب السوداني عوضا عن الناشطين السياسيين الذين يسعون لدس السم في الدسم ونسف علاقات السودان مع العديد من الدول الصديقة على المحيط الإقليمي أو الدولي.