وقيع الله حمودة شطة يكتب “دلالة المصطلح”.. الطيب مصطفى سلام عليك في الخالدين

.
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)… نعم لقد غيب أجل الموت أخى الطيب مصطفى، ليستريح هناك من رحلة عناء طويلة… صحبت الشيخ المهندس الطيب مصطفى عبد الرحمن ، وعملنا معا فى المجال السياسى والدعوى والإعلامى نحو ثمانى سنوات متصلة، وأكثر من مثلها متفرقة ، حيث خبرته عن قرب، وسافرت معه برا وجوا وبحراً وفى الأسفار والترحال يعرف للرجال مكامن ومعادن، وأستعين هنا بشهادة رجال ممن كانت لهم صحبة معنا فى تلك الأسفار منهم : الشيخ حامد محمد سعيد أبو مجاهد ، وياسر حسن خضر ، وساتى محمد سوركتى، والبشرى محمد عثمان، وأحمد تاج الدين محمد، وصديق خضر ، ومصعب على عثمان، وبكرى فضل الله وغيرهم ممن شهدوا تلك الأسفار وهم مئات. كان للأخ الراحل المهندس الطيب مصطفى همة تتقاصر دونها همم الرجال ، وحيوية تتوارى خلفها حماسة الشباب ، وكان الطيب مصطفى – رحمه الله – أسدا ثائرا ملأ زئيره البوادى والحضر ، لا يخاف فى الحق لومة لائم ، أوشائنة شائن قريب بالرحم، أو بعيد توثقت صلته به بالدين أو العمل أو العلاقات الاجتماعية. ومارأيت وما عرفت فى حقل الإعلام والصحافة والدعوة رجلاً يسهر الليالى الطوال ، وذو حركة مؤارة ومتصلة بالنهار مثل الطيب مصطفى! يكتب ويقرأ ، ويخطب ويدعو ويحادث ، ويبعث بالرسائل ويذكر إخوانه بالمناسبات القومية والواجبات ، لا يكل ولا يفتر ولا يغضب ، ولا تنهزم له إرادة ولا، تغور له قوة ، ولا يلين له جانب.
الذين يصفون الطيب مصطفى بالمتزمت أو المترفع أو العنصرى جاءوا زورا وبهتانا وأقاموا على أنفسهم حجة عند الله… الطيب مصطفى رجل بشوش طلق الوجه، كريم فى مجالسه، لين الجانب إذا سامر وحادث، لا يغضب إلا عند إنتهاك حرمات العقيدة والقيم والمثل… ووالله وتالله ما صحبت رجلاً يجل العلماء والدعاة والشيوخ وأئمة المساجد مثل الطيب مصطفى – رحمه الله تعالى – كان يسهر الليالى عند الملمات والأزمات والمحن الوطنية والسياسية والثقافية ، ليحادث ويراسل ويتشاور مع أكثر من مائة عالم وداعية وإمام فى الليلة الواحدة برسائل جماعية أواتصالات فردية ، حتى يطمئن إلى ما يدعو إليه ، ولو بزغ الفجر! يفعل ذلك فى السفر والحضر.
كان الشيخ الطيب مصطفى يمتلئ قلبه الكبير حبا وتعظيما للنبى – صلى الله عليه وسلم – ويكثر إعجابه بنبى الله موسى – عليه السلام – وتذوب نفسه الوثابة حبا وإفتخارا بشخصية خليفة رسول الله أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكانت فى نفس الطيب مصطفى الطاهرة مكانة خاصة للأديب الأريب العلامة الشهيد سيد قطب، والثائر المجاهد الشهيد عمر المختار – رحمهما الله ، والداعية العلامة محمد الغزالى – رحمه الله – والعلامة الشيخ يوسف القرضاوى – رحمه الله – حيث كان دائم الإحتفال بنشيده اليتيم ( أنا المسلم) ، وكان الطيب مصطفى – رحمة الله الواسعة عليه – يجل أشياخنا أبو زيد محمد حمزة -رحمة الله عليه – وعبد الحى يوسف – حفظه الله- ومحمد سيد حاج – رحمة الله عليه – ومحمد عثمان صالح – حفظه الله – وما عهدت إعلامياً وسياسياً وكاتبا صحافيا ورئيس حزب سياسي يعتز ويفتخر بدينه الإسلامى وعقيدته وقيمه الحضارية والثقافية مثل المهندس الشيخ الطيب مصطفى… كان الطيب مصطفى رجل مبادئ لا يساوم فى مبادئه ولو أنقلب عليه أهل الدنيا كلهم ، ولاينكسر ولا يتقهقر أمام الهجوم والنقد من خصومه… كان الطيب مصطفى لا يفجر فى الخصام إذا خاصم ، ولا يرد إعتذار من جاءه معتذرا ، وفيا لا ينسى جميل من أحسن إليه أو أعانه فى إنجاز مهمة أو عمل وإن صار عدوا له.
وقد ظل الشيخ الداعية الطيب مصطفى لا يفتر ولا يتقاعس فى دعوته المستمرة إلى الجهاد وتطبيق شرع الله فى الأرض، كان الطيب مصطفى يتمزق داخلياً فى اليوم الواحد عشرات المرات من ما يعانيه أهل فلسطين وغزة من إضطهاد وإحتلال وتشريد ، وما يجرى فى العالم الإسلامى من فرقة وخلاف ، كان يأمل ويحلم بنشوء إتحاد قوى فى العالم الإسلامى … كان الطيب مصطفى يعشق اللغة العربية إلى حد المبالغة، ويعجب برجب طيب أردوغان حد المبالغة ، ومارأيت وما حادثت رجلا يجل أمه ويحبها مثله، عندما ماتت رحمها الله قال لى لقد صرت يتيما، وكتب مقالا فى الإنتباهة تحت عنوان ( الشيخ اليتيم) فى رثاء أمه، وكان تأليفا نادرا فى المعنى والفكرة والمصطلح.
كان الطيب مصطفى شهاد جمع وجماعات ، إذا صلى بالناس إماما أطال قراءة القرآن فى تؤدة وتأنى تام، وكان يهتم كثيراً بالصلاة ويفزع إليها فزعا… كان يرى فى الدعاء سلاح المؤمن الذى ينبغى عليه أن يصطحبه فى كل أحواله.
كان الطيب مصطفى وطنيا غيورا على وطنه يكره الإحتلال والعملاء والمرتزقة الذين يبيعون أوطانهم للمخابرات الأجنبية ، والسفارات والإحتلال، وقد جاهد فى ذلك بالسيف والقلم واللسان، غامر فى الأحراش ، ودفق الأحبار على الأوراق، وعلت زفراته الحرى فى المنابر والمحافل… إن من سوء القدر المؤلم أن تفقد بلادنا وأمتنا وشعبنا فى السودان قلمين هما فى الحقيقة سيفان فى وجه الإلحاد والعلمانية وتجار الأوطان الأذلاء، قلم المجاهد الشجاع الحبيب الشيخ جعفر بانقا، وقلم المجاهد الرجل الهمام الأمة الشيخ الطيب مصطفى، غير أن أرض التيار الإسلامي لقادر أن تنبت ألف قلم مثلهما، ونسأل الله القدير القيوم أن يعزى الأمة فيهما ويتقبلهما فى أعلى عليين فى مقعد صدق عند مليك مقتدر، والله حسيبهما…. اللهم تقبلهما عندك فى زمرة الشهداء والصالحين.
أخى الأسد الثائر الشيخ الطيب مصطفى رحيلك المر أصاب كل نفس طاهرة صادقة صالحة بغصة وجرح عميق فى سويداء القلب، وذلك بالأمس عندما توقف قلبك الكبير عن النبط ، قلب تداعت عليه محن الزمان ، وجراحات الأمة والوطن ، ومحنة شعب تتقاذفه وتتلاعب وتتاجر بقيمه وقضاياه الذئاب. حقاً سوف يفقد هذا الشعب وهذه البلاد مواقفك البطولية التى نذرت نفسك لها… وسوف تلبس الصحافة السودانية أعلام الأحزان أن صمت لسانك الذاكر ، وقلمك الوطنى الطاهر إلى الأبد ، وإن يذهب جسدك الذى فنى فى جهاد الكلمة إستجابة لقوله تعالى ( وجاهدهم به جهادا كبيرا) ستبقى مدرستك أيها الهمام وحيا للأجيال والأمة…. أخى الطيب مصطفى سلام عليك فى الخالدين… إن العين لتدمع وإن القلب قد تفطر حزنا ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وخالقنا، وإنا لفراقك لمكلومون…. وإنا لنشهد لك بصحة عقيدة ومعتقد ولا نزكى أحدا على الله… اللهم يا ودود ، ويا رب العرش المجيد ، ويا فعال لما يريد نسألك بملكك الذى لا يرام ، وبعزك الذى لا يضام ، وبنور وجهك الذى أشرقت له السموات والأرض ، أن تغفر لأخينا الشيخ الطيب مصطفى وترفعه فى أعلى جنانك فى مقعد صدق عند كريم رحيم مقتدر ، وإنه لأنت السميع المجيب ، والعزاء للأمة والعالم الإسلامى والسودان والأسرة الكريمة .
،